إستشارة قانونية

الحكم للمدعى باتعاب المحاماة

 كما نعلم جميعا تتباين  احكام المحاكم فيما يتعلق بالحكم للمدعين باتعاب المحاماة فى الدعاوى المدنية والشرعية والجنائية ، والصورة اكثر وضوحا فى الدعاوى المدنية فى كافة أنواعها سوى ان كانت دعاوى مالية ، عقارية  ، تجارية ، قضايا عمل او خلافه  ، فما هو يا ترى السبب فى هذا التباين !؟ يحكم للمدعى باتعاب المحاماة كجزء من طلباته فى الدعوى وفقا لقاعدة جبر الضرر او لنظرية تحمل التبعة ،  وقد نصت المادة ١١١/٢ من ق إج م لسنة ١٩٨٣م على ان تختص المحكمة من تلقاء نفسها بالحكم فى أتعاب المحاماة ، لكن السوءال الذى يطرح نفسه وبقوة ، ما هو المعيار الذى تتبعه المحكمة فى الحكم للمدعى باتعاب المحاماة ؟ هل المحاكم لديها قواعد وأسس تستعين بها  فى الحكم للمدعين باتعاب المحاماة ؟ وهل تختلف أتعاب المحاماة بالنسبة للمحاكم عن أتعاب بقية المهنيين من أطباء ومهندسين وحرفيين وغيرهم  ؟ انا شخصيا لا ارى فى الامر بين كل هذه المهن  خلاف .مهنة المحاماة مهنة حرة يمارسها المحامون من خلال مكاتبهم ، والاتفاق على الأتعاب يتم فى المكاتب وتحكمه معايير كثيرة مركبة ومتداخلة ، منها عمر المحامى المهنى وتأهيله الأكاديمي وطبيعة الدعوى محل الإجراءات ومدى تعقيدها او بساطتها،  والزمن الذى استغرقته  دراسة الدعوى ، ودور المحامى فى مرحلة ما قبل التقاضى ، والزمن الذى تستغرقه إجراءات الدعوى،  وعموما كل جهد مهنى تتطلبه مصلحة الموكل فى الدعوى،  من اتصال بالخصوم ومحامينهم ، وشهود الموكل فى الدعوى وغير ذلك . إذن والحال كذلك كيف تحدد المحكمة الأتعاب المعقولة التى يستحقها المدعى ليحكم  له بها فى مواجهة المدعى عليه !؟ وهل هناك اى نصوص قانونية او منشورات قضائية او موجهات إرشادية صادرة عن رئيس القضاء او  نقابة المحامين مثلا توضح كيفية تقدير الحكم  بأتعاب المحاماة للمدعى امام المحاكم !؟ بالطبع الإجابة بالنفى ، إذن كيف تقدر المحاكم أتعاب  المحاماة فى الدعاوى المنظورة أمامها ، فى الواقع الاتجاه العام والمنهج المتبع هو ان يقوم القضاة  بتقدير الأتعاب التى يستحقها المدعون فى مواجهة المدعى عليهم امام المحاكم تقدير شخصى  ، لكنى ارى ان الامر يجب ان يحكم بالقواعد الموضوعية والإجرائية فى إجراءات التقاضى وفى قانون  الاثبات على وجه الخصوص حتى يؤسس الحكم فى هذه الجزئية على رؤى معيارية واضحة  ، المادة ٩ من قانون الاثبات لسنة ١٩٩٤تنص على : تعتبر البينة مردودة فى اى من الحالات الآتية :- أ-……..ب- البينة التى تبنى على علم القاضى الشخصى . إذن حكم القاضى الذى يصدر فى الجزئية المتعلقة باتعاب المحاماة حال عدم تقديم بينة مثلية بمعقولية وتناسبية المبلغ المحكوم به يدخل فى تعريف البينة المردودة . لانه يدخل فى تعريف المادة انفة الذكر اذا صدر دون الارتكاز على القواعد المعروفة  فى  وزن وقبول البينة . اما اذا كان الحكم فى هذه الجزئية قد أسس على اتباع القواعد الموضوعية والإجرائية فى الاثبات فانه يكون صحيحا ولا غبار عليه ، إذن ما هى هذه القواعد التى يجب ان تتبع بخصوص هذه المسألة ؟ انا ارى وحتى يكون الحكم للمدعى باتعاب المحاماة موافقا لصحيح القانون  لا بد له من  توافر الاشتراطات الآتية :-
١- يجب ان تتضمن عريضة دعوى المدعى فقرة  يوضح فيها ان مسلك المدعى هو ما دفع به الى الاستعانة بمحام ليمثله فى إجراءات التقاضى ، وهذا يعنى انه اذا لجأ المدعى الى القضاء دون ان يكون للجوءه مقتضى ، وقبل مطالبة المدعى عليه بالحق المدعى به ، وحدث ان حصل المدعى على حكم اعترافى مثلا ، فانه لا يكون مستحقا لان يحكم له بأى أتعاب فى مواجهة المدعى عليه،  وذلك لانه لجأ الى القضاء متعسفا ولم يكن للجوءه مقتضىً ، لان الحق المطالَب به لم يكن محل نزاع أصلا .
٢- يجب ان يحدد المدعى الأتعاب المطالَب بها كتعويض فى عريضته ٣- تضمن الأتعاب المطالَب بها فى قيمة الدعوى ويسدد رسمها  وتضمن كذلك فى فقرة الطلبات.
 3- يمنح المدعى عليه فى مذكرة دفاعه فرصة الرد على هذه الفقرة اما بالإعتراف او بالإعتراض على مقدار الأتعاب المطالَب بها  .  وله ان يقدم ادعاءا مناهضا بِنَاءاً  على ما يراه معقولا .
٤- لا يحكم لاى طرف فى الجزئية المتعلقة بالأتعاب ضمن طلباته الا اذا قدم حولها بينة كافية تثبت معقوليتها وفقا للمعروف من أسس فى شان تقدير الأتعاب العادلة.
والكلمة الفصل فى المعقولية تكون بشهادة المحامى الذى يتماثل مع محامى المدعى فى خبرته وتأهيله . ٥- للمدعى عليه الحق فى مناهضة البينة المقدمة ضده فى هذه الجزئية  بدحضها  وتقديم ما يناهضها،  وفقا لمبدأ المجابهة الذى يتطلبه مبدأ تكافؤ للفرص امام المحكمة .
٥- تتقيد المحكمة عند تقدير الأتعاب بالبينة المقدمة وليس للقاضى تجاوز البينة المقدمة الى رأيه الشخصى فيما قام به المحامى من اعمال أمامه ، لانه فى هذه الحالة يكون قد ادخل  حكمه فى جزئية الأتعاب ضمن تعريف البينة المردودة التى نصت عليها المادة ٩/ب من قانون الاثبات التى أسلفنا ذكرها ، هذه مساهمة منى  فى هذا الامر الذى ارى انه يحتاج الى إدارة نقاش موسع من الزملاء المحامين،  وارى ضرورة مشاركة  الاخوة القضاة بآرائهم  من خلال الكتابة  والسمنارات وورش العمل حتى تكتمل الصورة .
 رايت ان اقدم مساهمتى هذه بعد ان لاحظت من خلال تجربتى فى المحاكم لأكثر من خمسة وعشرين عاما ان هذا الامر يحتاج منا جميعا الى إدارة نقاش موسع حوله لتوحيد الراى حوله  .
احمد سعيد ابراهيم  المحامى

أكتب تعليق او رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Need Help?