إستشارة قانونية

ضوابط وموجهات اساسية لعمل المحامى الموثق

أحمد سعيد إبراهيم
المحامى
مهنة المحاماة فى عمومها تهدف الى تحقيق العدالة من خلال ابداء الراى وبذل الجهد والمشورة القانونية اللازمة بين الاطراف ، أياً كان الدور الذى يضطلع به المحامى ، سواء ان كان فى سوح المحاكم ، او فى لجان التحكيم ومجالس الصلح والتوفيق بين الخصوم ، او فى مجالس إبرام العقود التى تتشكل فيها المراكز القانونية وتنشأ فيها الحقوق وترتب فيها الإلتزامات ، لذا على من يمارس هذه المهنة فى اى موقع كان ان يتمتع بسمو الأخلاق ونزاهة التصرف وحكمة الراى وسعة العلم ، وعليه كذلك ان يكون جريئاً فى قول الحق وموالياً للفضائل ومبتعداً ومجافياً للشبهات ، ولأن الدور الذى يقوم به المحامى فى عمل التوثيق دور خطير وذو أثر بالغ على حقوق الاطراف ومراكزهم القانونية والمالية ، رأيت أن اكتب شذرات لبعض الضوابط المهنية التى يجب على من يمارس هذه المهنة ان يتحلى بها ، حتى يسلم جانبه وتبرأ ساحته من كل ما يمكن ان يعلق بممارسته من نواقص من الممكن ان تؤثر فى امانته ومهنيته ، وقد رايت ان اورد بعض هذه الضوابط والموجهات ، مستصحباً الواقع المهنى وبعض الإشكالات التى تتسبب فى ضياع الحقوق ، مما يضطر بعض المواطنين الى التقدم بشكاوى فى مواجهة بعض المحامين الموثقين متظلمين مما يعتقدوا انه اصابهم او حل بهم نتيجة لعدم ممارسة المحامى الموثق لسلطة التوثيق ببعض ضرورات واساسيات هذه السلطة خاصة اذا عرفنا ان الالاف من التعاملات والتصرفات تتم كل يوم فى مكاتب السادة المحامين الموثقين ، وسوف اذكر هنا بعض ما أرى أنها مبادئ وموجهات أساسية يجب الإهتداء بها لمباشرة هذه السلطة .
أولاً : مبدأ حيادية المحامى الموثق تجاه المتعاقدين :ــ
على المحامى الموثق ان يكون محايداً تماماً قبل وأثناء مباشرته لتوثيق اى عقد من العقود بين الأطراف ، وذلك لأن صياغة العلاقة التعاقدية وإنشاء الإلتزامات والحقوق التى تترتب على ابرام العقد هى بمثابة حكم قضائى له آثار جدية وآنية على المركز القانونى لكل من طرفى العقد . فأعمال التوثيق غير اعمال المحاماة المتعارف عليها ، فدور المحامى عندما يقدم لموكله النصح والمشورة القانونية يختلف جوهرياً عندما يكون الامر متعلق بإبرام أى عقد من العقود ، لان المحامى فى مجلس العقد يكون مؤتمن على صياغة علاقة قانونية عادلة ، وعليه الا يمالى اى طرف من الاطراف مهما كانت علاقته به ، وإذا لم يكن بإمكانه أن يكون محايداً ومستقلاً فى رايه القانوني عليه ان يتنحى عن المهمة ويعتذر عن دوره ، ولا ارى ما يمنع ان يرافق موكله أثناء ابرام العقد لغرض إزجاء النصح والمشورة له عند ابرامه او دخوله فى تعاقد مع اخر، وعلى المحامى الموثق كذلك الا يقبل الإملاء من اى من طرفى العقد بان يضمن العقد مثلاً كذا وكذا ، وعليه ان يوجه من يتصل عليه قبل مجلس العقد بان عليه ان يطرح رؤاه وافكاره وشروطه فى مجلس العقد على المتعاقد الاخر ومن ثم ياتى دور المحامى فى صياغة ما اتفق عليه ، وعلى الموثق كذلك تجنب تضمين العقد اى شروط تكون مخالفة لأى نص قانونى آمر .
ثانياً : التأكد من أهلية طالب خدمة التوثيق :ــ
وهذه من الامور المهمة التى يجب ان يتنبه إليها المحامى الموثق ، ويجب الا يكون التعامل معها بشكل نمطى وروتينى، فعلى المحامى الموثق ان يتاكد ان من يجلس امامه قد بلغ السن القانونية وهى سن الثامنة عشر، التى تعطيه الحق فى إجراء التصرفات القانونية الدائرة بين النفع والضرر من بيوع وشراكات وإيجارات وكل عقود المعاوضات ، ونفس الامر ينطبق على المرضى وأصحاب العاهات ، وعلى المحامى الموثق عندما يُطلب منه الإنتقال لمريض او صاحب عذر ان يتحقق بنفسه من توافر الاهلية الخالية من العيوب ، وعليه الا يرضخ لمشيئة او رغبة ممن تكون له معه علاقة من ذوى مالك المال المتعاقد حوله ، هذا الأمر مع انه بديهى وأساسى وجوهرى فى أى تعاقد ، لكن الواقع العملى يفصح عن بعض الإشكالات التى تنتج عن عدم التدقيق والتحقق فى مسالة توافر كامل الأهلية لطالب خدمة التوثيق مما يؤدى الى ضياع الحقوق ، واحياناً تكون هناك تبعات ماحقة تلحق بأسرة صاحب المال المباع مثل تشرد الاسر وفقدانها لمسكنها او وسيلة كسب عيشها الوحيدة .
ثالثاً : ضرورة التحقق والتدقيق وعدم الركون الى ظاهر حال المتعاقدين فى مجلس العقد :ـــ
الكثير من المشاكل تحدث نتيجة التعامل العفوى والظاهرى مع اطراف العقد عند ابرامه ، وعلى المحامى الموثق ان يتحقق من شخصيات المتعاقدين بمضاهاة صورة البائع مع الصورة التى فى اصل الورقة الثبوتية ، وله ان يرفض قبول اى مستند تكون صورة الشخص فيه غير واضحة وله كذلك ان يطابق الاسم الظاهر على الورقة الثبوتية مع الأسم الظاهر على سند ملكية المال المبيع ، وعليه ان يرفض تقديم اى تنازل فى هذا الشأن، واى رضوخ او تساهل من المحامى الموثق سيعرضه الى تحمل كل تبعات هذا التهاون وسيدفع ثمناً غالياً لهذا الإغفال والتساهل ، ولن يكون هناك ما يمنع من مقاضاة المحامى الموثق قضائياً تحت قواعد المسئولية التقصيرية جبراً لاى ضرر قد يلحق بأى طرف من الأطراف. ومن الامور الهامة فى هذا الشان كذلك ضرورة ان يصطحب البائع معه الملف والمستندات التاريخية للمال المبيع ، خاصة فى معاملات الاراضى ، وارى الا يكتفى المحامى الموثق بشهادة البحث وتوكيل الوكيل ، أو شهادة البحث والبطاقة الشخصية للمالك ، مع ان هذا جائز ، لكن التحوط منجى ويجلب الأمان ، وهذا الامر ذو اهمية بالغة ، وذلك لان كل ملاك الاراضى بطبيعة الحال يحتفظون فى بيوتهم ومكاتبهم بملف كامل للارض المبيعة من عقد ايجار حكومى او عقود شراء سابقة او مستندات وايصالات تسجيل سابقة كذلك عقود ادخال خدمات الكهرباء والمياه والخرط اذا كان العقار مشيداً ، وتظهر الاهمية القصوى لهذا الامر فى انه من الصعب جدا ، بل وربما من المستحيل على معتادى ارتكاب جرائم التزوير الحصول على الملف التاريخى للارض المباعة لانها فى الغالب تكون محرزة ومحفوظة فى مكان آمن لدى المالك الحقيقى ، كذلك على المحامى الموثق طلب أذونات البناء والخرط المصدق عليها من المتنازل او البائع حال بيع الاراضى المشيدة ، حتى يحفظ حق المشترى فى كونه اشترى ارض مشيدة وفق الضوابط القانونية التى تفرضها سلطات الاراضى ، وذلك لان الاراضى المشيدة بدون خرط وتصاديق بناء من الممكن ان تكون عرضة للإزالة والملاحقة القانونية من جهات الاخصاص ،ومن الممكن ان يكون هناك تعدٍ على حق جار فيما يتعلق بالارتداد القانونى من الحد الفاصل مع الجار او غير ذلك من المشاكل الشائعة فى مجال المبانى .
رابعاً: الإكتفاء بالعقود الغير موثقة إذا لم تكن هناك حاجة وضرورة الى عقد موثق:ــ
فى الكثير من الاحيان لا تكون هناك حاجة وضرورة لتوثيق بعض التعاقدات ومنحها صفة الرسمية ، فمثلاً إذا اتاك شخصان لغرض ابرام عقد ايجار عربة لنقل مياه او وقود او عقد اتفاق على انجاز اى عمل مثلاً ، ولم تكن هناك حاجة لتقديم هذا العقد الى جهة حكومية للتسجيل مثلاً او لاستصدار رخصة ، فانا لا ارى ضرورة لأن يكون العقد رسمياً وموثقاً بخاتم المحامى الموثق ، فهنا يمكن ان يقوم المحامى (وهنا لا يكون موثقاً) بصياغة العقد صياغة قانونية محكمة ، ويتبع فى ذلك كل الاجراءات اللازمة من حضور للشهود وإحكام للصياغة وغير ذلك من مستلزمات التعاقد ، ولا يوجد ما يمنع ان يكون هناك اكثر من شاهدين فى العقد ، ومن ثم تسليمه للطرفين . وعلى المحامى فى هذه الحالة ان يستوفى اتعابه المعقولة عن الصياغة القانونية وتجهيز العقد وترتيب بنوده ، وفى هذه الحالة يكون المحامى قد وفر على نفسه الكثير من التبعات القانونية مثل الطعن بالتزوير وما يستصحبه من متاعب بالنسبة للمحامى الموثق ، كذلك يكون قد وفر على نفسه مشقة الالتزام بالضوابط والنظم اللائحية والمالية التى تتطلبها إجراءات إصدار المستند الموثق ، وفى نفس الوقت يكون لهذا المستند ذات الحجية والدلالة الإثباتية التى تكون لنظيره من المستند الموثق فى إثبات الحقوق والإلتزامات التى احتوى عليها العقد ، كما ان مثل هذا العقد فى نهاية الامر يفى بالغرض المطلوب من إستصداره ويحفظ حقوق طرفيه على الوجه الاكمل .
خامساً: عدم قبول حبس مستندات الأطراف حال عدم ناجزية المعاملة وجاهزيتها للتوثيق :ــ
ليس من حق المحامى الموثق حبس مستندات التعاقد لدى مكتبه اذا كانت هناك شروط تعاقدية لم يتم الوفاء بها ، او ما يزال التعاقد معلقاً على شرط واقف او شرط فاسخ ، إذ يحدث احياناً ان يتفق الاطراف على ترك الاوراق لدى المحامى الموثق سواء أن كان قد تم توثيقها بالفعل او لم يتم ، وهذا باب خطير للخلاف بين الأطراف يؤدى الى ضياع الحقوق ونشوب الخلاف ، وللأسف الموثق الذى يقبل ان يحبس او يبقى معه العقد المبرم بين الطرفين يكون قد اقحم نفسه فى نزاع محتمل بين طرفى العقد، وسيكون فى رحى الخصومة شاء او لم يشأ ، لأنه ليس من حق المحامى الموثق ولا من سلطته ان يحبس اى مستندات طرفه ، وعليه فى حال ان تكون المعاملة غير ناجزة ان يُعمل رايه وعلمه القانونى بان يقترح على الاطراف ابرام عقد بيع ابتدائى او اى شكل اخر من أشكال الاتفاق يستوعب ويفى بطبيعة المعاملة ، وهنا يكون المحامى الموثق قد قام بدوره كاملاً وأبرأ ساحته من المساءلة والتقصير وكفى طرفى العقد مشقة الخلاف والخصومة لأنه يكون قد وقع الإطار القانونى الذى يناسب ظرف وواقع المعاملة المتعاقد حولها .
سادساً : التحوط فى زيادة عدد الشهود باكثر من أثنين إذا كان ذلك ممكناً :ــ
درجنا دائماً على كتابة شاهدين فقط فى العقود والاوراق التى تصدر عن المحامى الموثق ، والملاحظ انه مع كثرة الهجرات الخارجية وعدم إستقرار الظروف الاقتصادية والإجتماعية أصبح فى بعض الاحيان الوصول الى الشاهدين أمراً غير متيسر، لهذا ارى انه لا يوجد ما يمنع من تضمين المستند اكثر من شاهدين ، وأرى ان هذا الامر يعزز من القوة الإثباتية للمستند ، ويدعم حجيته ويسهل امر إثبات صحته حال عدم توافر بعض الشهود ، ولا ارى فى الامر اى وجه سالب ، بل على العكس ًزيادة عدد الشهود يعطى المستند ضمانة وقوة اكبر فىما يتعلق بالصحة والقوة والحجية فى شكله وفحواه .
هذه الموجهات والركائز ارى انها ضرورية ولازمة عند القيام باى عمل من اعمال التوثيق ، ومع انها فى شكلها العام مفهومة وواضحة لكن التقيد والتذكير بها فى الواقع العملى يوفر على المحامى الموثق الكثير من التبعات والإشكالات التى يمكن ان تطرأ او تنجم عن ممارسة سلطة التوثيق التى تحتاج منا الى الكثير من الحذق والحذر والحيطة ، حتى نتمكن من الحفاظ على اموال وحقوق العباد .

أكتب تعليق او رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Need Help?